Glossary tooltip block

%title% %summary%

Breadcrumbs

التعلم في ظل عالم العمل المتغير

أيهما أهم، تعميق التخصص بمجال معين أم العمل على اكتساب معرفة شاملة?

למידה בעולם העבודה המשתנה

 

تختلف المهارات التي عليكم اكتسابها في عالم العمل المتغير عما اعتدنا التفكير به لغاية وقتنا هذا. لا زال التعلم مستمرًا وباتت المهارات الشخصية الناعمة تأخذ حيزًا أكبر شيئًا فشيئًا.

 

السؤال القائل: "أيهما أهم، تعميق التخصص بمجال معين أم العمل على اكتساب معرفة شاملة ومهارات شخصية ناعمة؟" بات في الفترة الأخيرة جزءًا من النقاش الدائر أساسًا حول الاحتياجات المتغيرة المتعلقة بالتأهيل المهني والتعلم في ظل التغيرات السريعة التي نعيشها. طوال سنوات، فيما يخص السؤال: "ما هو أفضل موضوع يمكن تعلمه؟" كنا نقول للطلاب والعمال بأن مفتاح النجاح موجود في التخصص الذي يتيح لهم صعود السلم المهني. وان قرروا عدم سلوك هذه الطريق واختاروا التنقل بين المهن المختلفة والمجالات المتنوعة واكتساب القليل من المعرفة في مواضيع كثيرة، فإنهم لا بد سمعوا رأي المحيطين بهم حول ذلك وهو أن القليل من كل شيء لا فائدة منه أبدًا ولا يأتي بنتيجة. 

 

ولكن العالم تغير. على ما يبدو أن البندول يتحرك الآن من العمق الى الحيز العرضي ومن خلال هذه العملية يُعاد تعريف ما معنى التخصص في ظل العالم الجديد. هذا السؤال له أهمية كبيرة، ليس فقط بالنسبة للشركات وللمهن وإنما أيضًا للأفراد الذين هم اليوم جزء من سوق العمل وللطلاب ولمؤسسات التعليم العالي حيث لجميعهم يتبادر ذات السؤال: ما هو مجال التعليم الأفضل؟

 

يُشاع عن ماسلو قوله "ان كانت في يدك مطرقة هل تخال كل شيء تراه مسمارًا؟" ولكن إن احتوت سلة أدواتنا على أدوات متنوعة فهناك احتمال أننا بدل أن نرى فقط تلك المشاكل التي تحتاج مطرقة يمكننا أن نلاحظ وجود مشاكل يمكن حلها باستخدام مفك البراغي أو لربما تحتاج فقط للتشحيم. تتبدل حولنا الاختصاصات الأكاديمية طوال الوقت. لم تعد الإجابات الموجودة في الكتب القديمة ملائمة تمامًا للأسئلة المطروحة اليوم أو هي لا تعلّمنا أن نسأل أسئلة الغد. البيئة المحيطة، كهذه التي نعيش ضمنها اليوم، مليئة بالأحداث غير المتوقعة، الأحداث التي لا يوجد لها تعريف واضح ومحدد وهو أمر يخلق لدينا جميعًا نوعًا من عدم الراحة بغياب وجود إجابات مدرسية تساعدنا على فهم ما الذي علينا فعله.

 

جدير بنا تنويع سلة أدواتنا

يعزز التطور التكنولوجي السريع، إلى جانب التغيرات الكثيرة والواقع المبهم، الحاجة بأن تكون لدينا سلة أدوات متنوعة، حتى في مجالات مثل مجال البحث والتطوير. في المقال المنشور في HBR تمت مناقشة السؤال التالي: أي باحثين اليوم هم الأهم فيما يتعلق بقدرة الشركات على المنافسة بشكل ناجح؟ كما جرت العادة فإن التوظيف في أقسام البحث والتطوير في الشركات ارتكز بالأساس على مسألة التخصص في مواضيع خاصة. إن كان يُنظر في الماضي إلى الموسوعيين كأشخاص غير متخصصين بشيء فإنه يتضح اليوم أن التنوع المعرفي وتعدد الاهتمامات هما أداتان هامتان في مجال التطوير الابتكاري.

 

التطوير الابتكاري هو بالأساس عبارة عن روابط جديدة لمعرفة قائمة بمستويات مختلفة. تُظهر الأبحاث أن عملية البحث الموسعة تُفضي إلى تطوير ابتكاري يقود الشركات إلى تحقيق نجاحات. وإلى جانب ذلك، في مُعظم الشركات لا يمكننا اعتماد باحثين من مجالات معرفة متعددة وبناء مسارات عمل تُتيح لهم الالتقاء بغية خلق مثل هذه الروابط. وجود أشخاص في شركة ما يملكون الخبرة والمعرفة بعدة مجالات من شأنه أن يزيد احتمالية أن يتمكنوا من ربط عدة نقاط بشكل عرضي واستشعار الفرص المناسبة للشركة. قد يكون هناك احتمال جيد بأن تحتاج الشركة إلى مختصين لتنفيذ الفكرة ولكن بغياب الاستشعار الصحيح لا يكون هناك شيء لتنفيذه.

 

تخصص متعدد المجالات

ليس القصد من وراء هذا القول إن التخصص المتعمق هو شيء غير ضروري. على العكس تمامًا حيث إنه علينا أن نعرف كيفية تفعيل الأدوات التي لدينا وأحيانًا لا يكون بوسعنا حل المشكلة – في هذه الحالة علينا أن نستدعي الشخص الذي لديه معرفة متخصصة. ولكن في هذا العالم الذي يتغير بإيقاع سريع جدًا، كلما تعددت الأدوات لدينا كلما كان أسهل علينا أن نُبحر في هذا العالم المُبهم، وأن نظل مرنين وألا نقفز إلى الحلول الضيقة. حقيقةً، بات التخصص في هذا العالم الجديد يتحول من تخصص عميق إلى مهارة تخصص متعدد المجالات. هذه المهارة التي تُتيح لنا أن نرتقي قليلاً، أن نرى العالم، أن نرى التحديات، الأسئلة، المشاكل من منظور أوسع، منظور يأخذ بالحسبان عددًا أكبر من المتغيرات والإمكانيات قبل اتخاذ القرارات.

 

وبالنسبة لمن يسأل نفسه عن المجال الذي يُستحسن أن يتعلمه فإنه من الصواب أن نتحرى الإجابة التي يقدمها سوق العمل فيما يخص مسألة التخصص. مع إدراك أن الأشخاص متعددي المجالات في جعبتهم تشكيلة واسعة من الأدوات نجد أيضًا بأن الشركات تعلمت بأن ذلك يتيح لها التكيف بسرعة أكبر مع التغيرات الحاصلة فيما يخص المهام، التحديات وسوق العمل. نرى هذا التوجه اليوم أيضًا من خلال نهج التوظيف في الشركات. ان في الماضي تم اعتماد نهج يقتضي تجنيد موظفين لشغل وظيفة ما فاليوم باتت الشركات تُدرك بأن على الأشخاص أن يتغيروا مع تغيرات الشركة ولهذا فإنه من المهم توظيف أشخاص يمكنهم الانتقال للعمل في وظائف جديدة تستحدثها تلك الشركات. وهذا يقود إلى التوظيف من خلال اعتماد منظور توفر مهارات متعددة عوضًا عن المعرفة المهنية الضيقة. 

 

يستحسن تعلم مهارات قابلة للنقل

أُطلقت على هذه الظاهرة مؤخرًا تسمية  transferable skills، مهارات قابلة للنقل بين الوظائف المختلفة، الشركات وحتى المهن. وهذه تمامًا هي المهارات التي عليكم التركيز عليها عند تقدمكم لشغل وظيفة ما بغياب الخبرة المباشرة التي تتوافق وتلك الوظيفة. تلك المهارات هي التي تُبرز كفاءاتكم حتى وإن كنتم لم تعملوا بوظيفة مشابهة تمامًا من قبل يمكنكم أن تُظهروا أنكم استخدمتم مهارات شبيهة في سياق آخر مختلف.

 

تقوم منصة "لينكد إن"  Linkedin كل عام بنشر قائمة المهارات التي تتكرر كثيرًا في إعلانات التوظيف. أربع من بين تلك المهارات الشخصية الناعمة التي تتصدر قائمة عام 2020 هي الابداع، القدرة على الإقناع، التعاون، والقدرة على التكيف adaptability. وتتذيل قائمة المهارات المطلوبة مهارة لم تُطرح سابقًا هنا وهي مهارة الذكاء العاطفي. 

 

إنما أيضًا قائمة "المهارات الصعبة" اتي يطلبها المشغّلون لا تقل أهمية عن تلك. هنا أيضًا يمكننا أن نلاحظ وجود مهارات قابلة للنقل كمهارة التفكير التحليلي والتفكير التجاري. عندما تتساءلون عن المجال الذي يُستحسن أن تتعلموه عليكم أن تأخذوا بالحسبان بأننا في السنوات الأخيرة بتنا نرى المزيد والمزيد من المهارات المهنية التي تتنقل بين مجالات العمل المختلفة وهو الأمر الذي يضع ضمن سلة المهارات التي يمكن نقلها بين الوظائف كل تلك المهارات المتعلقة بالمعرفة التجارية، المالية، إدارة المشاريع، وإلى ما هنالك. 

 

بغض النظر عن مجال التعليم 

بكلمات أخرى، بغض النظر عن المجال الأجدى تعلمه، نجد أنه في عالمنا الجديد هناك مهارات أساسية يستوجب عليكم اكتسابها. لا يهم حقيقة أي كلية اخترتم أن تتعلموا فيها في العام القريب. لأنكم على أي حال خلال مسيرتكم المهنية ستغيرون مرارًا وتكرارًا تعريفات مهنتكم أو وظيفتكم حتى ولو ظل اسمها كما هو، بعد عشر سنوات ستكون سلة الأدوات التي لديكم مختلفة تمامًا عما يعلمونكم إياه اليوم. المهم فعلاً هو أن تكتسبوا أدوات تتيح لكم التعلم المُستمر، تتيح لكم التعرف على مجالات متعددة، أنماط تفكير، مصادر معلومات، عوالم محتوى. وتطوير مهارات قابلة للنقل، وتُمكنكم من إدارة هويتكم المهنية في خضم كل التغيرات.

 

ماذا سيحدث بعد؟

حتى وإن كنتم متمرسين بمجالكم عليكم أن تتعلموا النظر الى المتغيرات الحاصلة، كيف هو تأثيرها خارج نطاق التأثير الفوري. على سبيل المثال، جائحة كورونا التي عصفت بالعالم لم تسرّع فقط الأبحاث المتعلقة باللقاحات، ولا حتى مجال الصحة وحده كذلك. هل فكرتم كيف للعلاج عن بعد أن يؤثر على تقنيات التحرك الذاتي ضمن الحيز؟ وإن كان بوسع الطبيب معالجة مريض دون أن يكون متواجدًا معه في ذات الغرفة، لعله مستقبلاً لا يحتاج أن يكون معه في ذات المستشفى؟ وكيف يمكن لهذه المهارات تسريع مكننة صناعات السيارات ذاتية القيادة، صناعات الأتمتة Automation ؟ وأين يلتقي ذلك مع تخصصكم؟

 

هذا التطور السريع أتاح لنا الوصول للمعلومات. بات اليوم أقل أهمية أن نعرف ما يجب معرفته من أن نعرف ما نحتاج معرفته وأن نأتي بمن يعرف. مفتاح المستقبل لا يكمن في التخصصات المهنية العميقة وإنما النهج، نمط التفكير. وهذا ما عليكم أن تتيقنوا أنكم تتعلمونه.